الحياة كتاب ضخم، كل صفحة فيه تحتوي على عشرات الأسباب التي تؤدي إلى السعادة.. أو إلى عكسها. فإذا كان قلبك مهيئا، فإن كل شيء سيكون سببا لسعادتك، أما إذا كنت كئيبا، فلا شيء يمكنه منحك السعادة.
يخطئ من يظن أن السعادة تقتصر على الحظ الرفيع أو المواهب النادرة، أو القوة القاهرة. فهنالك عشرات من الأشياء العادية يمكنها أن تجعل حياتنا أغنى وأسعد.
وهكذا فإن الطريق إلى السعادة، ليس واحدا. كما أن الطريق إلى التاسعة ليس واحد..
والمهم أن نعرف بعض الطرق والقواعد التي تجعلنا نتمتع بحياة أكثر سعادة.. وعمر أكثر حبورا..وفيما يلي بعضها:
أولا: أيقظ مشاعرك
فإذا أردت أن تكون سعيدا، فماذا تتردد في ذلك؟ فالسعادة هي: صناعة السعادة، وليست مجرد الحديث عنها.
أيقظ حواسك، وسوف ترى السعادة، حتى في الأمور العادية مثل شروق الشمس وغروبها، ونسيم الربيع، وألوان الخريف، وأمواج البحر، ونجوم السماء.. وفي كل شيء وكل مكان.
ترى كم من مرة لامست شيئا من دون أن تلمسه فعلا؟.
وكم مرة أكلت من غير ان تتذوق ما أكلت، وأو تنفست من غير تشم رائحة الهواء؟.
وكم من مرة نظرت فلم تبصر، وأنصت فلم تسمع؟.
إن حواسك نائمة في معظم الأحيان، لأنك سددت مسالكها إلى إدراكك كي لا تلهيك عما تفعله، ولهذا يتوجب عليك الآن أن تباشر إيقاظ جسمك وتنبيهه للملذات الكامنة فيه. فلماذا لا تقطع حبة من الفواكه أو الخضر الضازجة ورقاقات تتذوقها واحدة واحدة لتعرف ما هو طعمها؟.
أنظر حولك إلى أي سطح مالوف، سواء أكان سطح الباب، أو ورقة من أوراق الشجر أوظاهر يدك، وتمعن فيه عن كثب كم شيئا في ذلك السطح لم تع وجوده من قبل؟.
أغمض عينيك وعد الأصوات المختلفة التي تناسب إلى مسمعك في بحر ثلاث دقائق. تناول أوعية التوابل من رف مطبخك ثم أغمض عينيك وشم كلا منها على حدة، كم من الوقت ستستغرق في التعرف على محتويات من دون النظر إلى الملصقات التي تحمل أسماءها؟.
أدلك صدغيك برفق، ما هي البقعة التي يوفر لك تدليكها الاسترخاء؟.
إن هذه كلها ليست إلا فرصا تنتظر تنشيط حواسك إذا أنت فقط سمحت لها بذلك.
ثانيا: إفعل ما ترغب بيه، مما ليس حراما
اقتن ما ترغب في اقتنائه، وكل ما تشتيه، والبس ما ترتاح فيه.
فإذا كنت ترغب في السفر، وتهيئت لك أسبابه فلا تؤجله، فكم من مرة تمنيته، والآن لماذا تؤجله؟.
حاول أن تشبع رغباتك حتى الصغيرة منها.
هل أحببت مرة أن تقرأ كتابا في فراشك طوال ساعات الليل، لكنك وجدت نفسك تطفئ النور في الساعة المعتادة؟.
وهل اشتهيت ذات صباح أن تأكل شريحة من اللحم المحمر، وانتهى بك الأمر إلى أكل البيض بدلا منها؟.
إننا جميعا نعيش حياة مليئة بالتقييدات التي ربما كانت ملائمة أيام الطفولة، إلا أنها لا تنطبق على ظروفنا الآن بعدما أدركنا سن الرشد. وفي إمكانك الانعتاق من قيود عاداتك إذا ما دونت قائمة بالأمور التي لم تفعلها قط وتود أن تجربها، ولعلها أمور طفيفة كالتي سبق ذكرها أو أمور أعظم أهمية كالتجرؤ على محادثة شخص لا تعرفه، أم تقحم عمل تحاشيته في الماضي لا لسبب سوى أن الرجال أمثالك لا يقدمون على فعله عادة.
ينبغي لك في هذا اليوم أو غدا أن تعمد إلى انتهاك هذا الحظر غير الصحيح على نفسك، فكل ما تشتهيه، واذهب إلى المكان الذي ترغب فيه، وتمتع بحسن الحال كما يحلو لك بشرط أن لا تظلم أحدا، ولا تترك ما عليك من الحقوق، ولا ترتكب حراما.
فهذه الحياة حياتك وأنت المسؤول عنها، ولك الحق في التمتع بها.
ثالثا: أظهر تقديرك لما تراه وتشاهده
فإذا رأيت وردة جميلة، فأظهر شعورك تجاهها، حتى وإن يكن أحد يسمعك.
وإذا قدم إليك أحد خدمة فأنطق بتقديرك لهن وإذا أحببت شخصا فأظهر له حبك، وإذا لمست رقة في الحياة، فدونها بكلماتك.
وبكلمة: حاول أن تظهر تقديرك لكل شيء حسن تلاقيه، كما تظهر اشمئزازك من كل قبيح.
يقول أحد الكتابك أبلغني صديق عزيز قبل فترة أن الموظفين الذين يعملون لدي يشعرون بالخيبة لأنهم يقدمون إلى أفضل ما عندهم بينما أنا لا أظهر من جانبي أي تقدير لهم، واعترضت على قوله محتجا: لكنني أقدر ما يفعلونه بكل تأكيد، عندئذ أجانبي: إذا فالحل سهل كل ما عليك هو أن تظهر لهم ذلك.
ويضيف: كنت في الماضي إذا فرغ أولادي من واجباتهم أسألهم لم يستعجلون في الأمر، ولا يصرفون وقتا أطول في ذلك، أما الآن فإني أبلغهم تقديري لتصرفهم ذاك، وأبدي إعجابي بكل أمر جيد يفعلونه، من دون أن أنسى التنويه إلى تصحيح أخطائهم.
وفي المطعم لا أكتفي بزيادة البقشيش حين ألاقي خدمة ممتازة، وإنما أحرص أيضا على أن أترك بضع كلمات لطيفة.
إن أمرا غريبا طرأ على حياتي، لقد بدأت أشعر بوجود أشياء حلوة أكثر مما مضى، وألاحظ أن الناس حولي مصدر سرور في حياتي، أو ربما أكون أنا الذي أصبحت بالنسبة إلى الآخرين مصدر مسرة.
رابعا: أنفق دراهمك ودنانيرك
إن "السخاء أحد السعادتين" كما يقول الإمام على (ع).
وليس من المحتم أن تكون من أصحاب الملايين حتى تنفق بعض مالك، وتشعر بسبب ذلك بالسعادة.. بل يكفي أن تقدم أي نوع من الهدايا، مهما كانت صغيرة، إلى من تحب لتدخل السرور إلى قلبك عبر قلبه..
إن الهدايا كما يقول المثل على مقدار مهديها.. وكما يقول الإمام على (ع): "لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه".
فإذا كنت في السابق قد أحجمت عن تقديم هدية صغيرة لصديق تحبه، لأنها لا تليق بك، أو لا تليق به، فحاول هذه المرة أن تقدمها له.
إنني أتساءل بعض الأحيان: لماذا نحجم عن تقديم هدايا رمزية، كرسالة محبة، أو قطعة قماش عادية، أو باقة زهر، إلى الناس لنعبر لهم عما يجيش في صدورنا؟.
أو لماذا لا ندعو من نحبه إلى فنجان قهوة، أو دعوة طعام، مع ما في ذلك من السعادة؟.
لقد قيل: "إن البخل والسعادة لم يجتمعا قط، فكيف يمكن أن يتعارفا؟".
إنك حينما تعطي لأحد شيئا فإنما تعطي أفضله لنفسك، فلا عطاء بلا مردود وأي مردود للمال أفضل من السعادة؟.
خامسا: أطلق عواطفك
في الحياة لحظات سعيدة.. لا بد أن نطلق فيها عواطفنا الجياشة بالفرح إذا بلغت ارتفاعا حادا.
وفيها أيضا لحظات كئيبة.. لا بد من أن نطلق فيها عواطفنا بالبكاء والحزن، كذلك.
إن خنق عواطفك أمرغير مطلوب، فكن مثل الطفل الذي يضحك في مناسبات الضحك، ويبكي في مناسبة البكاء.
أفسح المجال للتعبير عن عاطفتك، وكن أنت كما تشعر في داخلك. واعلم أن الانسجام مع الذات من أهم أسباب السعادة، أما من يقسر نفسه على خلاف ما يشعر، فيجبرها على الابتسام في مناسبة وفاة، أو يكبت فرحته في مناسبة ولادة، فإنه لا يجني غير التعاسة لنفسه.
سادسا: تخلص من الازدواجية
حينما يريد المرء أن يتقمص دورا معينا غير قادر عليه يصاب بالازدواجية، ويصبح مقيدا بالدور الذي رسمه لنفسه، ويتصرف ليس كما هو، بل بما يظنه أنه المتوقع منه، وهذا يعني انتهاء وجوده كشخص مستقل خلقه الله تعالى بإرادة خاصة منه، وهيئ له دورا خاصا به، وحمله مسؤوليات خاصة به كذلك. وهذا ما يجعله غير نفسه.
فإذا شئت أن تعيش في سعادة، فأنزع عنك قناع الآخرين، وتصرف كما تعتقد، لتتخلص من الدور الذي يكون قد لبسك واستولى عليك.
والجدير بالذكر، أنه ليس هناك طريق واحد في سلوك الناس لا بد أن نعتبره طريق الصواب.
فالله تعالى خلقنا أطوارا مختلفة كما خلقنا بأشكال مختلفةن وجعلنا مختلفين في ألسنتنا وألواننا، وأذواقنا، فلماذا يتقمص بعضنا شخصية غيره، ولا يعيش نفسه؟.
ولماذا تريد أن تكون أنت غيرك؟.
سابعا: تلمس السعادة في المجازفات المحسوبة
فإذا كنت خجولا ومنطويا، تقدم من شخص غريب بغية التعرف عليه، وإذا كنت تود أن تخبر زوجتك بما تشعر به إزاء تصرفهان فالفعل ذلك. إن معظم المجازفات لا تطوي على أخطار شخصية، وإنما على قلق عظيم فقط، وستجد أنه كلما زادت شجاعتك لتفعل ما تشاء من أجل نفسك بغض النظر عن الأخطار، زاد حظك في العيش السعيد.
ثامنا: اتخذ قراراتك بنفسك، وكن حازما فيها
حينما كنت صغيرا كنت بحاجة إلى إرشاد الآخرين، وأما الآن فقد بلغت سن الرشدن وأنت دون غيرك المسؤول عن حياتك. ولا حاجة إلى أن تتكل عليهم في كل صغيرة أو كبيرة، ولا داعي إلى أن تسألهم عن الطريقة التي ينبغي بها أن تحرك دفة حياتك.
وإذا كنت ترغب في أن تعرف أثر سلوكك في الناس، فإن ذلك لا يعني أن تلتمس إذنهم فيما يريد أن تعمل.
تاسعا: أعط دماغك راحة
توقف أكثر من مرة يوميا عن التفكير والتحليل، تاركا لدماغك أن يستريح، ركز ذهنك لحظة في لون من الألوانن طاردا من رأسك جميع الأفكار الأخرى، أو أخرج في نزهة قصيرة سيرا على القدمين وفكرك خلو من المهم، فكما يحتاج البدن إلى فترات من الراحة والتمارين، هكذا يحتاج العقل أيضا.
عاشرا: لا تبحث عن إطراء الآخرين لك
فلست بحاجة إلى أن تبحث عمن يثبت لك قيمتك، أو يؤكد لك صحتك، أو يعترف بجمالك، أو يثبت قوة شخصيتك.
فإذا كنت راضيا عن أدائك ومظهرك، فما الحاجة إلى إطراء الآخرين، وإذا كنت فعلا راضيا، فاسأل نفسك عن سبب حاجتك إلى الحصول على مدح الناس وسرعان ما سيتبين لك أنه كلما قللت من طلب الاستحسان، أصبحت أهلا له وجاءك المزيد منه.
حادي عشر: توقع لنفسك الخير
إن توقعاتك أنت هي من مفاتيح العافية العقلية برمتها، فإذا تاملت الخير، وتوقعت أن تكون سعيدا، وصحيح الجسم، ومحققا اهدافك، فمن المرجح أن تتحقق هذه التوقعات. ألا يقول الحديث الشريف: "تفألوا بالخير تجدوه"؟.
ثاني عشر: لا تعتبر الآخرين سببا لتعاستك
فلا تلقي اللوم على أحد، لتعتبرهم مصدر شقائك.
فبدل أن تقول: "فلان جعلني أشعر بعدم ارتياح"، قل: لقد جعلت نفسي أشعر بعدم ارتياح عندما أصغيت إلى فلان.
التعيس يلقي اللوم على شخص آخر عندما تأتيه المصاعب، لكن السعيد لا يفعل شيئا من ذلك. إن التغييرات والمصاعب ستحدث لا محالة شئنا أم أبينا. إن علينا أن نتقبل الفشل من دون تذمر، ولكن بشوق قوي للتعلم منه. عندما تتمزق حياتنا تعود فتلتئم بأنماط جديدة والأمر الذي بدأ مصيبة، قد يتحول إلى أفضل شيء حدث لنا.