مسألة تكرار القصة:
هو ليس
تكراراً وإنما ملمح آخر في القصة. قصة آدم u
جاءت في مطلع الكتاب لا القرآن ثم تعددت داخل الكتاب في قرآن كثير. وهناك فرق بين
الكتاب والقرآن: الكتاب كل القرآن والقرآن بعض الكتاب. إقرأ هي أول ما نزل من
القرآن وهذا مأخوذ من الكتاب. حينما أراد الله تعالى أن يكون لهذه الأمة رسالة وأن
ُيبعث رسول الله r أنزل الكتاب إلى السماء
الدنيا بالجمع الذي بين أيدينا الآن (الفاتحة – البقرة- آل عمران..) يؤخذ منه لكل
واقعة قرآناً. عندما تسأل من جمع القرآن يقول الناس أن عثمان جمع المصحف أو أبو بكر
لكن نقول لهم أن الله تعالى هو الذي جمع القرآن قبل إنزاله وما فعله أبو بكر وعثمان
هو جمع على الجمع. حينما كان القرآن ينزل كان الرسول r ببشريته يتعجل بالقراءة ليحفظ فنزل قوله تعالى (لا تحرك لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتّبع
قرآنه) هذا القرآن مجموع قبل أن ينزل لأنه جاء من جمع بدليل أن جبريل u كان يقول للرسول r هذه آية كذا في سورة كذا قبلها آية كذا وبعدها آية
كذا. في سورة فصلت قال تعالى (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ (3)) كتاب جُزّيء مجموعه إلى قرآن ينزل بحسب الحادثة (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ
وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) الإسراء) الكتاب موجود يؤخذ منه القرآن
بدليل: أول القرآن إقرأ وأول الكتاب الفاتحة (إقرأ في الجزء الثلاثين وليس في أول
الجزء حتى). الجمع قضية وإن ترتيب نزول القرآن كان يناسب العصر. بالنسبة لنا هذا
الجمع هو الذي يناسبنا. هذا الفكر يؤيد هذا الرأي من حيث أن القصص القرآني عندما
يتعدد في بعض السور لا يعطيك معنى آخر وإنما يعطيك ملمحاً ثانياً وثالثاً ولكن لا
تكرار في القصص القرآني.
ترتيب القصص في
القرآن:
في القرآن أم في الكتاب؟ يجب التفريق بين
اللفظين. أول قصة في القرآن هي قصة أصحاب الجنة (إنا بلوناهم كما
بلونا أصحاب الجنة). قصص القرآن من واقع سورة يوسف التي جاءت في الكتاب
(نحن نقص عليك أحسن القصص). ترتيب القصص في الكتاب جاء
على ما ينفع الناس في هذا العصر. في البقرة أول إخبار عن آدم (الآية 30) وهذا عظيم
الترتيب. هذه البداية التي تهم المسلم فالترتيب إعجاز. البقرة ترتيبها 87 من حيث
التنزيل وعندما تكون الثانية في الكتاب فلهذا حكمة. (إنا
بلوناهم) كانت على عهد الرسول r أهم من
قصة آدم وهذا الترتيب يفيد أولويات العصر. لأن العجيب في القرآن أن مطلع الكتاب
ومطلع القرآن يتفقان في كلمة (الجنة) التي سببت مشكلة بين الناس. ففي أول الكتاب
قال تعالى (أُسكن أنت وزوجك الجنة) وفي أول القرآن قال
تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) هذا ليس صدفة
ونفهم منها أن كلمة الجنة سيكون فيها مشكلة عند بعض الناس هل جنة آدم على الأرض أو
هل هي في السماء، جنة الخلد؟
أهداف قصص
القرآن:
نرجع بالتاريخ إلى القصة الكاملة في سورة يوسف.
ماذا حصل من إخوة يوسف ليوسف؟ كادوا له وأصابوه. يوم أن ذهبوا إليه قال لهم (لا تثريب عليكم اليوم) سامحهم وتنازل عن حقه. والرسول r سامح أهل مكة (نفس القضية) ما فعله إخوة يوسف لا يقل
عما فعله أهل مكة وما فعله يوسف مع إخوته لا يزيد عما فعله r مع أهل مكة. هذا يبين أن الرسول r أفاد من القصص لأن قصة يوسف كانت قبل فتح مكة بسنوات
فلما حكيت له تأثر بها واستفاد منها وهو الأسوة ويجب أن نفعل مثله وهذا هدف القصة
يجب أن تؤثر القصص فينا كما أثّرت بالرسول r.
فكأني بالرسول r يريد أن يبين لنا كيف إستفاد
فقال لأهل مكة عند الفتح: ما تظنون أني فاعل بكم؟ هم كانوا أذكى من إخوة يوسفل
فقالوا: أخ كريم وإبن أخ كريم فقال r: إذهبوا
فأنتم الطلقاء. محمد r نبي هذه الأمة واسوتنا
جميعاً أفاد من قصة يوسف كمثال العفو عند المقدرة والتطبيق.
ترتيب سورة يوسف في النزول 54 وفتح مكة حصل بعد الهجرة
بكثير لكنه تذكر يوسف فقال: إذهبوا فأنتم الطلقاء . إن لم تؤثر القصة بالمسلم فأين
إسلامه؟. يقول تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ
لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي
بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
(111) يوسف) العبرة أنه لما يقرأ المسلم يطبّق ويستفيد من القصة. ولا نسأل
ما إسم إخوة يوسف وما عدد أصحاب الكهف وكم عاشوا وما إسم كلبهم وأين كان
يجلس؟
لو ذكرنا الأسماء فهل سيخدم هذا القصة؟ كلا. لأن
المهم هو هدف القصة وليس مكان القصة ولا من فيها. من عظيم هذا الكتاب أن معظم قصص
القرآن ليس فيها أسماء إلا قصة واحدة حدد فيها الإسم قطعاً وهو إسم مريم إبنت عمران
لأن هذه القصة لا تنفع بدون إسم مريم عليها السلام لأنه تعالى سيذكر إبنها (المسيح
عيسى إبن مريم) ولو لم يذكر إسمها لقالت إحدى النساء أنا ولدت ولداً من غير أبّ.
فعندما لا يذكر الأسماء لا نسأل عنها ولا يهمك أسماؤهم وإنما فقط نأخذ العبرة من
القصة.
الغرض من تعدد مواضع القصة في سور
القرآن الكريم:
الغرض أن تستقر القصة في ذهن القارئ
ويثبت الهدف منها بأخذ أكثر من ملمح لأكثر من واقعة. قصة آدم في سورة البقرة تحدثت
عن عدم الإقتراب من الشجرة وفي الأعراف وطه ذكرت وسوسة الشيطان وفي سورة أخرى ذكرت
ملمحاً آخر وكل هذا لتثبيت أخذ الهدف والفائدة من القصة. لو ذكر القرآن قصة آدم
كلها في سورة البقرة مثلاً سينساها القارئ عندما يصل إلى آخر الكتاب ولكن عندما
تقرأ عنها في العديد من السور وتجدها في أكثر من مكان تبقى في بالك وعندما تعود
للقراءة من جديد ختمة بعد ختمة تكون القصة في بالك والرسول r علّمنا في قراءة القرآن " خيرقارئ للقرآن الحالّ
المرتح" الذي يبدأ ختمة بعد إنتهائه من ختمة.
سورة يوسف
مقطوعة بمعنى أنها قصة حصلت بواقعها بنتيجتها حتى ينهيها المولى تعالى ونأخذ العبرة
منها. وسورة يوسف ترد على سؤال لماذا قدّم الإخوة في آية سورة عبس (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)
وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)). في علم النفس يقولون أن أقرب إنسان لديك
وأنت طفل صغير هو أخوك لأنه إذا كان الطفل عمره 3 سنوات مثلاً فهو بعيد بالنسبة
لعمر أبيه لا يتفاهم معه ولكن أقرب واحد له هو أخوه والأخ لما يفِرّ من أخيه هذا
شيء غير مُتصور فلما يحدث هذا الأمر ترد على ما حدث في سورة يوسف وإخوته وتجد
الإخوة 11 كلٌ إختلف في طريقة تعامله مع يوسف بإختلاف شخصيته كما في قصة أصحاب
الجنة (قال أوسطهم) هل هو أوسطهم عدداً أو سناً أو علماً
حكمة وعقلاً؟ نقول هو أوسطهم رأيا الذي لا يتطرف يميناً أو
شمالاًً.
من خلال القصص القرآني حاول بعض المستشرقون
الولوج إلى مقاصد الشريعة الإسلامية فدسّوا فيها الإسرائيليات. ونحن سنتناول القصص
من واقع القرآن بإتفاق أهل التفسير واللغة بعيداً عن أية حكايات أو إسرائيليات
ومنهجنا بعيد تماماً عن أمرين: عن الإسرائيليات في القرآن وعن الضعيف والموضوع في
الحديث وأنا لا أعتمد إلا على الكتاب والسنة الصحيحة والأحاديث المتفق على صحتها
وإن كان عند احمد او الترمذي لأن عندنا في كل باب أحاديث صحيحة فلماذا نذهب للحديث
الضعيف أو الموضوع؟ في باب الصلاة مثلاً عندنا أحاديث صحيحة كثيرة فلماذا نذهب
للأحاديث الضعيفة والموضوعة؟
مقارنة القصة
القرآنية بقصص العهد القديم والعهد الجديد؟
لا يمكنني أن
أقطع فيها لأنه ليس بين أيدينا العهد القديم أو الجديد الصحيحين لأن العهد القديم
حُرّف والعهد الجديد أُلّف ولو تكلمت عنهما لظلمتهما والكتاب الصحيح القرآن فنعتمد
عليه ولو لم يتم التحريف في العهد القديم والعهد الجديد لوجدناهما متفقان مع
القرآن. الكتاب والسنة الصحيحة هي مرجعنا والكلام في القصص لا يحتاج إلى العهد
القديم أو العهد الجديد لأن الكتاب فيه ما يكفي.